منذ عقود، اعتدنا على أن أشهر مسلسلات الأنمي الطويلة مثل One Piece تمثل عملاً متواصلًا لا ينضب من المغامرات، ومع تطور الصناعة وازدياد توقعات الجماهير، بدأنا نشهد تغيّرات كبيرة في طريقة الإنتاج والسرد، مما يطرح سؤالًا جدّيًا: هل نحن نعيش “نهاية عصر الأنمي الطويلة”؟ مقارنات بين One Piece و Demon Slayer (Kimetsu no Yaiba) تتبلور لتُظهر كيف أن صناعة الأنمي بدأت تميل نحو المشاريع الأقصر، المترابطة، والمكتملة.
One Piece، الذي بدأ عرضه عام 1999، يُعتبر من أكثر مسلسلات الأنمي استمرارية من حيث عدد الحلقات والمراحل المختلفة في القصة. المسلسل يحمل إرثًا ثقافيًا ضخمًا ومخبأً غنيًا من الشخصيات والأماكن والحوادث التي تطورت على مدى آلاف الصفحات والفصول. هذا الطول الهائل يعني أن المشاهدين الجدد يشعرون أحيانًا بالارتباك أمام الكم الهائل من الأحداث، كما أن وتيرة السرد تواجه انتقادات من ناحية البُطء (pacing)، لا سيما أن بعض الحلقات قد تُرَكَز على تفاصيل قد لا تكون جوهرية لسير القصة، مما يُفقد الانفعال عند البعض.
من جهة أخرى، Demon Slayer جاءت كمثال معاكس المهمة في العالم الجديد للأنمي. رغم أن المانغا بدأت في 2016 وانتهت في 2020، استطاعت أن تصنع بصمتها القوية في سنوات قصيرة. الأنمي الذي بدأ عرضه في 2019 لم يُكمل سوى أربعة مواسم رئيسية وثلاثة أفلام تجميعية، وسيُختتم بثلث أفلام يُعرف باسم “Infinity Castle arc” في 2025. القصة واضحة منذ البداية: مهمة Tanjiro إنقاذ أخته Nezuko، والتصدي للشيطان Muzan. لا ملحقات غير ضرورية، لا أطواف مطولة، ولا شخصيات تُستخدم فقط لملء الفراغ، بل تركيب محكم للقصة، مُراعٍ للتوازن بين الحركة، التطور الشخصي، والعاطفة.
في جوائز Crunchyroll لعام 2025، فازت Demon Slayer بجائزة “Best Continuing Series” متفوقةً على One Piece بعد أن كانت الأخيرة قد هيمنت على هذه الفئة لعدة سنوات متتالية. هذا الفوز يعكس تحوّلًا ملحوظًا في ذوق الجمهور والنقاد نحو الإنتاجات التي تجمع بين الجودة القصوى والتركيز السردي، دون الاعتماد على الامتداد الزمني الطويل فقط كعامل جذب.
إن هذه الظاهرة لها أسباب عدة: أولًا، الإنتاج الطويل المكثّف يتطلب موارد ضخمة (وقت، فريق، ميزانية)، ويزيد من احتمالية عدم استقرار الجودة، خاصة مع تصاعد التوقعات البصرية وتقنيات الرسوم المتحركة. ثانيًا، جمهور اليوم يفضّل قصصًا تُروى بكفاءة، بدون ملل أو حشو، ويبحث عن تجارب مشاهدة يمكن إكمالها دون شعور بالإرهاق أو التراكم الزمني الضخم. ثالثًا، بسبب التغيرات في منصات البث والتوزيع، أصبح من الأسهل للمشاهد الانتقال بين مسلسلات كثيرة، مما يجعل طول العمل عائقًا أمام جذب متابعين جدد. أخيرًا، الفنانين والمُبدعين باتوا أكثر رغبة في إنهاء أعمالهم بشكل مُرضٍ ومكتمل، بدلًا من المماطلة أو الإطالة لأجل التمديد المالي فقط، كما هو الحال مع Demon Slayer التي اختارت نهاية واضحة وإنهاء للقصة بدلًا من قصص جانبية تمتد دون هدف.
مع ذلك، هذا لا يعني أن مسلسلات مثل One Piece ستختفي أو تنتهي فورًا، لكنها على الأقل دخلت ما يُمكن تسميته “الأرك النهائي” (Final Saga)، ومعها بدأ عشّاق السلسلة يُدركون أن النهاية ليست مجرد فكرة بعيدة، بل مرحلة فعلية يتم التحضير لها.
تأثير هذا التغير يمتد إلى الإنتاج، التسويق، واستراتيجية التوزيع، فالمشروعات القصيرة أو المتوسطة الطول مثل Demon Slayer تُتيح للمُنتجين تقدير أفضل للتكلفة مقابل العائد، وتُسهل الجدولة الإنتاجية، وتحافظ على توقيتها مع التقنيات الحديثة والتحسينات البصرية. أمّا الأنيمي الطويل، فلا يزال يحتفظ بسحره، ويُعد علامة فارقة من تاريخ الأنمي، لكن التحدي الآن هو كيف يُدار هذا الطول بطريقة لا تُفقد المتلقي الحماس، كيف يُحافظ على جودة الحلقات وسط مطالب التطور، وكيف تُختار اللحظة المناسبة لإنهائه.
في النهاية، يمكن القول إننا نشهد تغيّرًا في الاتجاهات: لم يعد الطول وحده قيمة، بل الجودة، السرد المتماسك، التصميم البصري، والتجربة الكاملة، هي ما يُحدد من سيُصنف كعمل خالد، ومن سيُترك خلفه في الذاكرة كفترة ذهبية انتهت. عصر الأنمي الطويل جارٍ في الانتهاء، ولكن لا يعني النهاية الكاملة، بل تحولٌ مهم في كيفية صناعة الأنمي وإدراك الجمهور له.
